حسن البنا
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
حسن البنا (14 أكتوبر 1906[2] - 12 فبراير 1949م [3]) (1324هـ - 1368هـ) واسمه بالكامل حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا الساعاتي هو مؤسس جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928 في مصر والمرشد الأول لها ورئيس تحرير أول جريدة أصدرتها الجماعة سنة 1933، نشأ في أسرة متعلمة مهتمة بالإسلام كمنهج حياة حيث كان والده عالماً ومحققاً في علم الحديث، تأثر بالتصوف عن طريق احتكاكه بالشيخ عبد الوهّاب الحصافي شيخ الطريقة الحصافيةالشاذلية في عام 1923 وكان له أثر كبير في تكوين شخصيته،[4] كما تأثر بعدد من الشيوخ منهم والده الشيخ أحمدوالشيخ محمد زهران - صاحب مجلة الإسعاد وصاحب مدرسة الرشاد التي التحق بها لفترة وجيزة بالمحمودية - ومنهم أيضًا الشيخ طنطاوي جوهري صاحب تفسير القرآن الجواهر.
تخرج في دار العلوم عام 1927 ثم عين مدرساً في مدينة الإسماعيلية في نفس العام ونقل إلي مدينة قنا بقرار إداري عام 1941 ثم ترك مهنة التدريس في عام 1946 ليتفرغ لإدارة جريدة الشهاب.
أسس في عام 1928 جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة سياسية إسلامية تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية وإعادة الحكم الإسلامي مستنداً إلى آرائه وأطروحاته لفهم الإسلام المعاصر حيث قال:«إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف.» في ظل تشتت الأمة الإسلامية ووقوعها تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والغزو الفكري الأوروبي للوطن العربي أخذ يدعو الناس إلى العودة إلى السلام ونشر مبادىء الإسلام في جميع المدن المصرية والريف.
له نتاج أدبي ومؤلفات منها رسائل الإمام الشهيد حسن البنا وتعتبر مرجعًا أساسيًّا للتعرُّف على فكر ومنهج جماعة الإخوان بصفة عامة، ومذكرات مطبوعة عدة طبعات أيضًا بعنوان مذكرات الدعوة والداعية ولكنها لا تغطِّي كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942. وله عدد كبير من المقالات والبحوث القصيرة جميعها منشورة في صحف ومجالات الإخوان المسلمين التي كانت تصدر في الثلاثينيات والأربعينيات،[5] أوّل مقال نشره كان سنة 1928 فيجريدة الفتح تحت عنوان الدعوة إلى الله وآخر مقال نشره قبل إغتياله كان بين المنعة والمحنة ونشر في كانون أول عام 1948 في جريدة الإخوان اليومية قبيل صدور قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين في نفس الشهر.[6]
النشأة
المولد والصبا
والدة البنا.
حسن البنا في شبابه
وُلِد البنا في المحمودية من أعمال محافظة البحيرة بدلتا النيل في يوم الأحد 25 من شعبان سنة 1324 هـ وهو ينتسب إلى أسرة ريفية متوسطة الحال، كانت تعمل بالزراعة في إحدى قرى الدلتا هي قرية شمشيرة قرب مدينة رشيدالساحلية. كان جَدُّه عبد الرحمن فلاحًا، ونشأ والده أحمد بعيدا عن العمل بالزراعة، فدرس علوم الشريعة في جامع إبراهيم باشا بالإسكندرية. والتحق أثناء دراسته بمحلٍّ لإصلاح الساعات في الإسكندرية، وأصبحت بعد ذلك حرفة له وتجارة، ومن هنا جاءت شهرته بالساعاتي. أصبح والده من علماء الحديث وله فيه مصنفات عديدة أهمها "ترتيب مسند الإمام أحمد" مع مفتاح له يسهل الوصول إلى أحاديثه، وله أيضاً كتاب بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي وفي كنفه نشأ حسن البَنَّا فتطبع بالكثير من طباعه،[5] كما درس البنا على أبيه العلوم الشرعيَّة، وقد كان والده يدرك الأهميَّة الإيجابيَّة للاختلافات الفقهيَّة بين أصحاب المذاهب المتعددة، فجعل كل واحد من أبناءه يدرس واحدا من المذاهب الفقهيَّة، فكان المذهب الحنفي من نصيب حسن، وكان يعلمه دروس الفقه في المنزل، وكان يحثُّه على حفظ المتون في فروع العلوم الشرعيَّة، ويشجعه على القراءة واقتناء الكتب، وبالإضافة إلى هذا فقد علَّمه صنعة الساعات، وحرفة تجليد الكتب.[7]
اشترك حسن البنا منذ وقت مبكر من عمره في بعض الجمعيات الدينية، وانضم لطريقة صوفية تُعرف بالطريقة الحصافية، حتى صار سكرتيراً للجمعية الحصافية للبر وهو في الثالثة عشرة من عمره.[2][7] تميز حسن البنا بفهم واسع، وذكاء متقد، وذاكرة قوية، وكان حريصًا على الصلاة وأدائها في المسجد، مداومًا على تلاوة القرآن الكريم، يهتم بأداء الشعائر الدينية ويدعو زملاءه إليها، يُجيد فنَّ الحوار والإقناع، ويتميز بالشجاعة الأدبية واللباقة في الأسلوب، والأهم كانت لديه فكرة لتغيير النظم بما يتوافق مع رؤيته للإسلام.[7]
التعليم
دخل حسن البنا الكتاب في الثامنة من عمره، وبدأ تعليمه في مكتب تحفيظ القرآن بالمحمودية، وتنقل بين أكثر من كُتَّاب حتى إن أباه أرسله إلى كتّاب في بلدة مجاورة، وكانت المدة التي قضاها في الكتاتيب وجيزة فحفظ نصف القرآن الكريم، كما تعلم القراءة والكتابة على يد معلمه الشيخ محمد زهران المحمودي صاحب كتّاب مدرسة الرشاد الدينيَّة [8] وتأثر به، وكان دائم التبرُّم من نظام الكُتّاب ولم يُطِق أن يستمر فيه فالتحق بالمدرسة الإعدادية رغم معارضة والده الذي كان يحرص على أن يحفِّظه القرآن ولم يوافق على إلتحاقه بالمدرسة إلا بعد أن تعهّد له حَسَن بأن يُتِمَّ حفظ القرآن في منزله.
كون مع زملائه الذين كانوا يشتركون معه في الصلاة جمعية سماها "جمعية محاربة المنكرات"، فكانوا يرسلون خطابات للمخطئين لنصحهم وإرشادهم حتى يعودوا إلى الطريق الصحيح. وبعد إتمامه المرحلة الإعدادية التحق بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور وهو في الرابعة عشرة من عمره، واصل البنا دعوته إلى التمسك بالإسلام فكان يوضح لزملائه في المدرسة فضل الصلاة المفروضة وأدار حلقة لقراءة القرآن الكريم قبل دخول التلاميذ لفصولهم ولم يمنعه ذلك من الاهتمام بدروسه بل كان متفوقًاً في دراسته.[2][5][7][8]
ثم التحق البنا سنة 1923 وهو في السادسة عشرة من عمره بكلية دار العلوم بالقاهرة، بعد أن حصل في السنة النهائية من مدرسة المعلمين على المركز الأول فكان ترتيبه الخامس بين جميع طلاب مصر. وعندما دخل دار العلوم وتقدم لامتحانها كان يحفظ ثمانية عشر ألف بيت من الشعر وكثيرًا من النثر. أعجب البنا بالدراسة في دار العلوم وأساتذتها وأخذ يذاكر بجد ونشاط ويجتهد في دراسته فكان الأول فيها. وتلقى دروس علم الحياة ونظم الحكومات والاقتصاد السياسي إلى جانب الدروس الأخرى في اللغة والأدب والشريعة وفي الجغرافيا والتاريخ. حتى تخرَّج منها سنة 1927. وفي هذه الفترة اتصل البنا بالشيخ محب الدين الخطيب و رشيد رضا، جمع البنا مكتبة ضخمة تحتوي على عدة آلاف من الكتب في المجالات المذكورة إضافةً إلى أعداد أربع عشرة مجلة من المجلات الدورية التي كانت تصدر في مصر مثل مجلة المقتطف ومجلة الفتح ومجلة المنار وغيرها، ولا تزال مكتبته إلى الآن في حوزة ابنه سيف الإسلام.[2][5][7][8]
العمل
عُين البنا مدرساً للغة العربية بإحدى المدارس الإبتدائية بالإسماعيلية، ومنها إنطلق بدعوة الإخوان المسلمين، ثم عاد البنا في عام 1932 إلى القاهرة مرة أخرى ليزاول عمله مدرسا بمدرسة عباس بالسبتية، وأخذ يؤسس لجماعته تأسيساً واسع النطاق وينتقل بها من مرحلة إلى مرحلة.[2]أمضى البَنّا ما يقرب تسعة عشر عامًا مُدرِّسًا بالمدارس الابتدائية؛ في الإسماعيلية ثم في القاهرة، وعندما استقال من وظيفته كمدرس في سنة 1946. كان قد نال الدرجة الخامسة في الكادر الوظيفي الحكومي، وبعد استقالته عمل لمدة قصيرة في جريدة الإخوان المسلمون اليومية، ثم أصدرمجلة الشهاب الشهرية إبتداءً من سنة 1947؛ لتكون مصدرًا مستقلاًّ لرزقه ولكنها أغلقت بحل جماعة الإخوان المسلمين في 8 من ديسمبر1948.[5]
مساهمة البنا في العمل الدعوي
عندما تألفت جمعية الأخلاق الأدبية وقع اختيار زملائه عليه ليكون رئيسًا لمجلس إدارة هذه الجمعية، ثم أنشأوا جمعية أخرى خارج نطاق مدرستهم سموها جمعية منع المحرمات، ثم تطورت الفكرة في رأسه بعد أن التحق بمدرسة المعلمين بدمنهور. فأنشأ الجمعية الحصافية الخيرية التي زاولت عملها في حقلين أساسيين هما: نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة ومقاومة المنكرات والمحرمات المنتشرة. والثاني: مقاومة الإرساليات التبشيرية. بعد إنتهائه من الدراسة في مدرسة المعلمين انتقل إلى القاهرة وانتسب إلى مدرسة دار العلوم العليا فاشترك في جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية. ويبدو أن فكرة تكوين جماعة الإخوان قد تبلورت في رأسه أول ما تبلورت وهو طالب بدار العلوم، فقد كتب موضوعًا إنشائيًا كان عنوانه ما هي آمالك في الحياة بعد أن تتخرج؟ فقال فيه:
«إن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أمل خاص وأمل عام. فالخاص: هو إسعاد أسرتي وقرابتي مااستطعت إلى ذلك سبيلاً. والعام: هو أن أكون مرشدًا معلمًا أقضي سحابة النهار في تعليم الأبناء وأقضي ليلي في تعليم الآباء أهداف دينهم ومنابع سعادتهم، تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة.»
تأسيس جماعة الإخوان المسلمين
مقالة مفصلة: الإخوان المسلمون
بعد إلغاء الخلافة الإسلامية سنة 1924 أصبح الدين من وجهة نظر البعض علامة على الجهل والتأخر والبعد عن الحضارة، وخلع الكثير من نساء مصر الحجاب، فعمل حسن البنا على تكوين جماعة من الدعاة المتحمسين من طلبة دار العلوم والأزهر، وخرجوا إلى الناس في المساجد والمقاهييخاطبونهم بأسلوب بسيط، ويرشدونهم إلى التمسك بدينهم واتباع سنة الرسول
سبب التأسيس والنواة
تأسست جماعة الإخوان في مارس - آذار سنة 1928، حيث زار حسن البنا في منزله، حافظ عبد الحميد، أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم، عبد الرحمن حسب الله، إسماعيل عز، وزكي المغربي، الذين تأثّروا من محاضراته، وقالوا له - كما يروي البنا في مذكراته -:
«لقد سمعنا ووعينا، وتأثّرنا ولا ندري ما الطريق العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين. لقد سئمنا هذه الحياة، حياة الذلة والقيود. وها أنت ترى أنّ العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظّ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم يعدّون مرتبة لأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب... وكل الذي نريده الآن أن نقدّم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يديّ الله. وتكون أنت المسؤول بين يديه عنا. كما يجب أن نعمل جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه وتموت في سبيله، لا تبغي بذلك إلا وجهه وجديرة أن تنصر، وإن قلّ عددها وقلّت عُدَّتها".[6]»
وافق البنا، وكانت البيعة، فتم تأسيس مدرسة التهذيب لحفظ القرآن وشرح السور، وحفظ وشرح الأحاديث النبوية وآداب الإسلام، فصارت المدرسة مقراً للإخوان، وخرّجت الدفعة الأولى من الإخوان وكان عددهم أكثر من سبعين، بدأ عمل الإخوان ينتشر في نواحي حياتية واسعة مثل بناء المساجد ونشر العلم ومساعدة المحتاجين، وجاء في خطبة البنا الأولى في مسجد الإخوان:
«إذا كان أحدنا يحرص على محبة الكبراء وإرضاء الرؤساء، والأمة تجتلب مرضاة الدول، وتوثيق العلائق فيما بينها وبين الحكومات الأخرى، وتنفق في ذلك الأموال، وتنشىء له السفارات والقنصليات، أفلا يجدر بنا ويجب علينا أن نترضّى دولة السماء، وعلى رأسها رب العالمين الذي له جنود السموات والأرض، وبيده الأمر كله؟! نترضاه بإنشاء المساجد وعمارتها، وأداء الصلوات فيها لأوقاتها فيمدّنا بجنده الذي لا يغلب وجيشه الذي لا يقهر.[6]»
ما أوجد للبنا ولأصحابه أعداءا حاولوا دسّ الدسائس بواسطة تقديم عرائض إلى رئيس الحكومة آنذاك، صدقي باشا، تتهمه بأنّه مدرّس شيوعي يتصل بموسكو، أو وفدي يسعى للإطاحة بالحكومة، أو يتفوّه ضدالملك فؤاد، أو يجمع المال بصورة غير قانونية.[6]
الإنتشار والهدف
البنا في مؤتمر عام 1947 ويظهر المفكر القومي عزيز علي المصري.
تطورت جماعة الإخوان وانتشرت في مختلف فئات المجتمع، حتى أصبحت في أواخر الأربعينيات أقوى قوة اجتماعية سياسية منظمة في مصر، كما أصبح لها فروع في عدد من البلدان العربية والإسلامية، كان البَنّا يؤكِّد دومًا على أن جماعته ليست حزبًا سياسيًّاٍ، بل هي فكرة تجمع كل الأفكار الإصلاحية، وتسعى إلى العودة للإسلام واتخاذه منهجًا شاملاً للحياة، ويقوم منهجه الإصلاحي على التربية والتدرج في إحداث التغيير ويتلخص هذا المنهج في تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم ثم الحكومة المسلمة فالدولة فالخلافة الإسلامية وأخيرًا الوصول إلى أستاذية العالم. والمعنى هو أن يكون الإخوان هم القدوة والقِبلة التي يجب أن تتجه إليها كافة الأنظار لتتعلم منها وتنهل من علومها وتجاربها.[9]
العمل السياسي
خاض البنا وجماعة الإخوان المسلمين على مدى عقدين من الزمان (1928 - 1949) العديد من المعارك السياسية مع الأحزاب الأخرى، وخاصةًحزب الوفد والحزب السعدي.[5] فقد قاومت الأحزاب المصرية فكر حسن البنا وحالت دون توسع الإخوان المسلمين سياسياً، كما خاض البنا الانتخابات المصرية أكثر من مرة بدائرة الدرب الأحمر بالقاهرة، وكان بها المركز العام لجماعته وكان يقطن بها بـحي المغربلين، لكنه لم يفز في أي مرة في أي دائرة لا هو ولا زملاؤه بما فيهم أحمد السكري سكرتير الجماعة وكان مرشحًا بالمحمودية مقر ولادته.
في الأعوام التالية لنهاية الحرب العالمية الأخيرة اتجه إلى القيادة الشعبية العامة وعدم انحصاره في دائرة جماعته حيث إنه كان يخاطب جماهير الشعب ويحثها على الالتزام بتعاليم الإسلام والعمل له تحت لواء جماعته، على أن الترشيح للانتخابات البرلمانية سنة 1944 كان بداية للتحرك بين جماهير الشعب، استفاد البنا من الظروف السياسية في مصر عقب الحرب العالمية خاصة بعدما اهتزت زعامة حزب الوفدالشعبية بعد قبوله الحكم نتيجة للتدخل البريطاني سنة 1942 ولم تستطع الأحزاب السياسية الأخرى أن ترث هذه الزعامة، في حين تزايدت أعداد الإخوان ومناصريهم وبرزت مطالب قومية عامة بعد انتهاء الحرب، وتطلع الشعب لمن يقوده لتحقيق جلاء الإنجليز عن البلاد، ثم جاءت قضية فلسطين وقرار تقسيمها والإحتلال الصهيوني فزاد من سخط الشعب وهياجه.[10]
فانطلق البنا يقود المظاهرات الشعبية العامة التي خرجت من الأزهر بعد قطع المفاوضات وعرض قضية مصر على مجلس الأمن وخطب في الجموع إلى جانب كبار رجالات مصر والعروبة عام 1947 وقد جرح في إحداها. وفي المظاهرة الشعبية الكبرى التي تجمعت بميدان الأوبرا في القاهرة تأييداً لفلسطين في ديسمبر 1947 بعد تقسيم فلسطين خطب البنا إلى جانب رياض الصلح والأمير فيصل بن عبد العزيزوالشيخ محمود أبو العيون وجميل مردم وصالح حرب وإسماعيل الأزهري والقمص متياس الأنطوني مندوب بطريركية الأقباط الأرثوذكس.[10]
الإخوان وفلسطين
اهتم البنا بقضية فلسطين واعتبرها قضية العالم الإسلامي بأسره ودعى إلى الثورة والقوة والدم، في مواجهة ما يسميه التحالف الغربي الصهيونيضد الأمة الإسلامية ودعا إلى رفض قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الأمم المتحدة سنة 1947 ونادى بالجهاد في فلسطين؛ "حتى يمكن الاحتفاظ بها عربية مسلمة"، وقال:
«إن الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.[11]»
بدأت صلة البنا بفلسطين بصداقته للحاج أمين الحسيني عندما كان طالباً في القاهرة فكانا يتجاذبان أطراف الحديث عن فلسطين، فشرع البنا يرسل شباب الإخوان في مساجد القاهرة والمحافظات يحدثون الناس عن ظلم الإنجليز وبطشهم وتآمرهم على أهل فلسطين، ثم دعا بعد ذلك إلى مقاطعة المجلات اليهودية في القاهرة، فطبع قائمة كشوف بأسماء هذه المجلات وعناوينها، والأسماء الحقيقية لأصحابها وذيلت الكشوف بعبارة إن القرش الذي تدفعه لمجلة من هذه المجلات، إنما تضعه في جيب يهود فلسطين ليشتروا به سلاحاً يقتلون به إخوانك المسلمين في فلسطين.[12]
دعى البنا إلى عقد أول مؤتمر عربي من أجل نصرة فلسطين، وجمع التبرعات للحركة الجهادية الفلسطينية، ومن الوسائل التي ابتكرها إصدار طابع بقيمة قرش وتوزيعه على الناس. آمن البنا بالحل باستخدام القوة، وبدأ البنا بإرسال شباب الإخوان من مصر إلى فلسطين في بداية الثلاثينيات خلسة، حيث تسللوا من شمال فلسطين شاركوا مع عز الدين القسام، ودخل قسم من الإخوان تحت قيادة الجيوش العربية التابعة لجامعة الدول العربية، وبلغ مجموع الإخوان المسلمين الذين استطاعوا أن يدخلوا أرض فلسطين بشتى الوسائل 10 آلاف مجاهد، وقاموا بنسف مقر قيادة اليهود وقاتلوا في مدينة الفالوجة.[12]
بعد قضية تزويد الجيش المصري بأسلحة فاسدة، تيقن البنا من عدم جدية الدول العربية في القتال، وأنها تخضع لرغبات الدول الاستعمارية وقال حينها:
« إن الطريق طويل والمعركة الكبرى معركة الإسلام التي ربينا لها هذا الشباب لا تزال أمامه، أما إسرائيل فستقوم، وستظل قائمة إلى أن يبطلها الإسلام.»
وقاد بعدها البنا مظاهرة في مصر خرج فيها نصف مليون شخص في عام 1947 - قبل اغتياله بسنتين - ووقف فيهم خطيباً وقال[12]:
دماؤنا فداء فلسطين | أرواحنا فداء فلسطين |
في شهر رجب 1358هـ الموافق أغسطس 1939 أعلن الإخوان المسلمون يوم 27 رجب يوم فلسطين وذكرى الإسراء والمعراج منطلقًا لبدء حملة كبيرة لنصرة فلسطين. وفي هذه الأثناء كان حسن البنا يقوم بجولته ورحلته الصيفية الطويلة والمعتادة في مدن وقرى الصعيد، ومن هناك بعث إلى الإخوان يُذكِّرهم بالقضية، ويحملهم التبعة والمسؤولية، ويحفِّزهم للحركة والجهاد والتضحية.[13]
اعتاد البنا إرسال رسائل إلى الحكومة المصرية حول قضايا عديدة، ومما جاء في رسالة البنا إلى علي ماهر باشا، رئيس الحكومة المصرية:
«.... إن هذا المسعى الإنساني المشكور - قرار المعونة المصرية للشعب الفلسطيني - ليس هو كل شيء في القضية العربية، فإنّ الفلسطينيين الأمجاد ضحّوا بالأموال والأرواح في سبيل غاية سليمة معلومة وهي أن يصلوا إلى استقلالهم وحريتهم وأن ينقذوا وطنهم من خطر الطغيان اليهودي الصهيوني. وقد شاركهم المسلمون والعرب في كل أقطار الدنيا هذا الشعور وأيّدوهم فيه. وكان للحكومة المصرية، وكان لرفعتكم بالذات نصيب في الجهاد المبرور. وعلى هذا فالمسعى السياسي لحل قضية فلسطين أهمّ بكثير من هذا المسعى الإنساني على جلاله ورحمته. وليس عليكم يا رفعة الرئيس إلا أن تكاشفوا الساسة البريطانيين بوضوح وجلاء بحقيقة الموقف....[6]»
حسن البنا وسط مؤيديه وأتباعه في إحدى الزيارات لإحدى قري مصر.
حسن البنا يخطب ويحفز أنصاره ومؤيديه.
وأعلن البنا أن الإخوان سيقدمون عشرة آلاف متطوع في سبيل فلسطين وأبرق مؤكداً ذلك إلى الزعماء العرب المجتمعين في عالية في مايو1948 وتعاون البنا مع رجالات من مصر والعرب أمثال صالح حرب، وعبد الرحمن عزام، وفتحي رضوان. وكانت صلته وثيقة بالحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ورجال الهيئة العربية العليا، وقد عمل الإخوان على تهريبه حين مروره بمصر أثناء ترحيله تحت الحراسة من منفى لآخر، كما عملوا على تهريب الزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي في ظروف مماثلة. وغدا حسن البنا الركن الركين في هيئة وادي النيل العليا التي تألفت للعمل الشعبي لأجل إنقاذ فلسطين.[10]
وثق علاقاته بالصحفيين الذين غدوا يقدرون قدراته وآراءه وأن لم يكونوا يؤيدون مبادئ الإخوان. وعلم حسن البنا أن مسؤولية الدور الشعبي العام تتطلب ضمان التلاحم بين مسلمي مصر وأقباطها. وقد كتب حسن البنا إلى الأنبا يؤانس بطريرك الأقباط سنة 1355هـ / 1936م في شأن معاونة أبناء فلسطين وجمع التبرعات لهم. لكن أعباء القيادة الشعبية العامة صارت تتطلب اتصالاً أكبر، فتوالت الدعوات على بطريركية الأقباط لحضور مؤتمرات الأقاليم التي أقيمت لأهداف قومية مصرية أو عربية، وأصبح هذا تقليداً متبعاً في كثير من أحفال الإخوان، حتى ما كان منها لمناسبة إسلامية مثل بداية العام الهجري أو المولد النبوي.[10]
ولكسب احترام الآخرين من الساسة المشاركين المتعاونين على أعباء القيادة والجمهور. فكتب في جريدة لإخوان اليومية حوالي سنة 1947 سلسلة مقالات تحت عنوان (اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد)، تناول فيها مشكلات مصر السياسية والاقتصادية الهامة واتجاهات معالجتها وحلها في ضوء رؤيته لتوجيهات الإسلام. وقد نشرت هذه المقالات في صورة رسالة متكاملة فيما بعد.[10]
حل الجماعة وإرثها
كانت البلاد تغلي بالأحداث وجاءت حرب فلسطين لتزيد نار الحماس التهاباً، وتدخل الإخوان في الحرب وتميزوا بتربيتهم ونظامهم، فكشفت الحرب عن حقيقة قوتهم والخطر الكامن منهم على خصومهم، فوقف الخصوم يقارنون ويرسمون الخطط لمستقبل الشرق بصفة عامة ولمستقبل مصر بصفة خاصة، وبدا على السطح ظواهر جديدة في حقل السياسة المصرية والساحة العربية لم تكن موجودة من قبل الحركة، فالحركة الطلابية يتصدرها الإخوان المسلمون وصور دور كتائب الإخوان على أرض فلسطين وضغط الإخوان على الملك والحكومة في ذلـك الوقت بضرورة مواجهة العصابات الصهيونية بقوات متطوعة وليس عن طريق الجيوش النظامية التي تأتمر بأوامر القصر الذي كان في يد الاستعمار، وشدد الإخوان ضغطهم على القصر والحكومة في ذلك حينما تبين لحسن البنا أن السلطات المصرية كان في نيتها مجرد إرسال تجريدة نظامية صغيرة لتقوم بدور العصا لتأديب العصابات الصهيونية فحسب وليست للقضاء عليها.
لم يسكت الاستعمارالبريطاني الذي كان رابضاً بجنوده على ضفاف قناة السويس والذي أعطت دولته وعد بلفور وتعهدت بتنفيذه قبل أن تنتهي مدة انتدابها على فلسطين على ذلك المد الإخواني فأخـذ يخوّف القصر وحكومات الأحزاب من الإخوان.
قال سعد الدين الوليلي عن لحظة فراق مرشده حسن البنا:
«ولا أنسى ليلة صدور قرار حل جماعة الإخوان في كانون الأول - ديسمبر عام 1948 حيث صدرت الأوامر إلى قوات الشرطة بالاستيلاء على شُعب الإخوان ومركزهم العام في الحلمية الجديدة وسوق من فيها إلى المعتقلات وشاء القدر أن أكون برفقة حسن البنا حين دهمتنا في ساعة متأخرة من الليل قوة من رجال البوليس السياسي، حيث حاصرت المبنى من كل أجزائه وقبضت على من فيه وملأت السيارات وانتظر البنا دوره في الدخول إلى السيارة إلا أن أحداً لم يسأله ذلك، فرأيته يتشبث بالسيارة التي كنت فيها ويحاول اعتلاءها ليلقى المصير الذي يلقاه الإخوان لكن القوة لم تمكنه من ذلك ومنعته من الركوب بدعوى أنه لم تصدر من المسؤولين أوامر باعتقاله فازداد تشبثاً بالسيارة واعتلى أولى درجات سلمها وهو يصيح: لا تأخذوا هؤلاء بجريرتي فأنا أولى منهم بالاعتقال .. ولم يُسمح له وتحركت السيارات وتركته في وحدته ليلقى حتفه عندما يحين الوقت المناسب لتنفيذ الاغتيال، ولو لم تكن قد بيتت النية على قتله لكان من الطبيعي أن يكون وهو رأس الجماعة في مقدمة المعتقلين![14]»
لو لم يكن للشيخ حسن البنا من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي في السينمات ونحو ذلك والمقاهي، وكتَّلهم وجمَّعهم على دعوة واحدة، ألا وهي دعوة الإسلام؛ لو لم يكن له من الفضل إلا هذا لكفاه فضلاً وشرفًا. هذا نقوله معتقدين، لا مرائين، ولا مداهنين. —الإمام العلامة الألباني[5] |
كان للإخوان المسلمين جهد كبير في حرب 1948 دفاعاً عن فلسطين، وعلى أكثر من جبهة؛ من مصر والأردن وسورية. كما كان للجماعة جهد كبير في التوعية تعزيز الهوية الإسلامية، والإسهام في بث روح الحرية والاستقلال؛ إذ كان الانتداب البريطاني بوقعه الهادئ يمكّن للغزو الفكري في مصر بالذات، ويهيئ الأرضية الكاملة لإقامة الكيان اليهودي وحمايته. وعلى إثر حرب 1948 وتنامي شعبية الإخوان المسلمين، كان قرار النقراشي باشا - رئيس وزراء مصر حينها - في كانون الأول (ديسمبر) 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة ممتلكاتها، واعتقال رجالها وزجهم في السجون. وتم التدبير لاغتيال المؤسس، وظن قاتلوه من أعوان الملك فاروق والإنجليز أنهم أنهوا دعوته. لكن سرعان ما تتابعت الأحداث، وكانت حركة الضباط الأحرار؛ فتم إنهاء حكم فاروق نفسه. لكن هذه الثورة ما لبثت أن أدخلت البلاد في نفق الاشتراكية، وشددت حربها على مخالفيها من الإخوان المسلمين الذين ساعدوا الضباط الأحرار على الثورة.[15]
ظهرت حركات إصلاحية كثيرة خلال القرن العشرين في الهند ومصر والسودان وشمال أفريقيا وأحدثت هزات لا بأس بها، حتى قُيض لها أن تبعث من جديد على يد البنا. أستفاد البنا من تجارب من سبقوه ومن تاريخ القادة والمفكرين والزعماء الذين حملوا لواء الدعوات الإسلامية المشابهة.[16]
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire